*********************
صرخت في وجهه بأعلى صوتي: دع عنك أولادي. وحينها كنت أعلم أن الجميع قد يتهموني بالأنانية واللامبالاة وعدم التفهم والتوسع في مدارك الأطفال وبأحوال العالم، إلا أنني فعلت ذلك خوفاً وحرصاً على فلذات كبدي أولادي الاحباء... سأحكي وامنحوني رأيكم لو سمحتم!!
لدينا أربعة أطفال أكبرهم في الحادية عشرة من العمر وأصغرهم عمره ثلات سنوات، وكلانا أنا وزوجي موظفان في وزارة التربية الوطنية.
أبناؤنا من جيل مختلف عن جيلنا، فلم يُعايشوا الحروب والمظاهرات والهتافات في ساحات الجامعات ولم يشتركوا في المطالبة بحقوقهم بعد!!
ظل حالهم هكذا إلى أن أن اندلعت الانتفاضات والثورات قبل بضعة شهور بدءاً في تونس ومروراً بمصر وليبيا واليمن وصولاً ألى سوريا، وبدأ معظم العالم العربي يشهد ربيعاً من الانتفاضات والثورات ضد الظلم والطغيان وسعياً وراء الحرية والاستقلال، إلى حد أن أخبار هذه الانتفاضات والثورات باتت مادة أساسية ودسمة في كل الصحف والفضائيات والأنترنيت....
لفت انتباهي أن زوجي بدأ يجمع أبناءنا ليقرا لهم الجرائد ويشرح لهم ما يحدث. وعند كل نشرة أخبار في فضائيتي الجزيرة والعربية صار يدعوهم لمجالسة التلفاز ومشاهدة الأخبار بما في ذلك اللقطات المحزنة والمدمية للقلب حول الشهداء الذين سقطوا في البلدان العربية المنتضفضة والثائرة شعوبها جراء القمع والعنف والدمار والخراب.
وصارت جلساتهم أحاديثاً عن الثورة، وحتى في ألعابهم ولهوهم صاروا ينقسمون إلى فريقين من الجيش والقناصة في جهة والثوار في جهة أخرى، ويمثلون شخصيات الرؤساء والمآل الذي بلغه البعض منهم.
وذات مساء عاتبت زوجي على ما يفعله مع أولادنا ونصحته بأن يغير نهجه معهم، مبررة كلامي بأنني أنا أمهم الكبيرة والناضجة والمدركة لما يجري أتألم وأبكي على الشهداء وما يجري من أوضاع مأساوية ومؤلمة، فكيف يا ترى يكون حالهم!!؟
وظل الوضع على حاله إلى أن كانت ليلة استيقظ فيها ابني وهو يصرخ ويرتعد من الخوف قائلاً: انهم يقتلون الأطفال، لست حمزة الخطيب، سوف يقتلوني، اه اه اه أرى دم أخي على يدي وهو يرتمي بين ذراعي ويبكي بمرارة، فصرخت عندها بقلب أم في وجه زوجي وقلت له بعصبية: لقد حان الوقت الذي يجب فيه أن تقلع عن ما تفعله بأبنائي، فأنا لست مستعدة أن افقدهم وأُفسد طفولتهم وأَسرق براءتهم وأحلامهم...ولنكن
واقعيين كما يجب وبما يكفي ولندع أطفالنا يكبرون...وعندما يصلون الى سن الرشد سيحددون مواقفهم ويختارون انتماءاتهم بحرية ودون ضغط أو إكراه...أما الان فظلم أن يرى أبناؤنا كل هذه الدماء وكل هذا الظلم والقهر والعدوان....أتراني محقة أم مخطئة؟؟؟ أفيدوني وارشدوني وشكراً.
بقلم إحسان السباعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق